الجمعة، 16 سبتمبر 2011

مقتطفات من اشعار عبدالله ثابت



من كتاب حرامC.V :

1
لم يخطر ببالي وأنا أقطع الأرياف والمدن..
أني سأعلق بالأغاني المطمورة في البيوت المهدّمة،
وخلف الجدران المتروكة للأحزان والوحدة،
وخلف حيطان المواعيد السريعة،
ولم أدرِ أني في كل منعطف وجبلٍ وساحل..
سأحمل معي فجائع الأحناك!
وما خمّنت وأنا أعبر الصباح والظهيرات،
وأواخر الليالي، والقوارير، والبكاء
أنْ سينبت في كل عظمٍ مني صوت وكلام،
أنْ سيكون على ظهري وشم أغنية..
بين أصابعي فتات أغنية..
في عينيّ لمعة أغنية،
أن سأكون مخبأً للمرجومين والذكريات،
والساهرات قرب الشبابيك،
أني سأصير اللحن الذي تنام عليه القبور،
وتغنيه كل ليلةٍ أمي وأبي..
وامرأة!
?
2
لو أني أقتلع ذاكرتي اللبنية.. وأعلقها في غرفة أمي،
لو أنها تنبت لي ذاكرةٌ من الأسيد والفحم..
لأنام والوجوه مغسولةٌ بالنار،
مسلوخةً من جبيني ..
وتقطر كالنايلون في الهواء!
لو أني بدلاً لأصابعي.. أعجن جلدي المحكوك بالخل،
لو أني بدلاً للرسائل الخاصّات..
أعير أطرافي لغواصٍ فقير،
ولو أني بدلاً للمقاعد والأسرّة العارية..
أصبح أعين النهمين،
ولو أن مجاديفي ..
- أينها مجاديفي المرهقات!-
لو أنها تكسر القارب،
لو يقتتل بها اثنان،
لو يرميانها على الساحل ..
وعليها حروفي الضالّة!


?
من كتاب الوحشة:
1


مصل (أ / 1)
أكتب هذه الوحشة..
لأنني حزينٌ بالضرورة، لأنني ولدت في الشتاء، في وقتٍ متأخرٍ من الليل. أبي كان قلقاً، وإخوتي كانوا خائفين، والفانوس كان مشدوهاً، ووالدتي التي تتألم، كانت قد توحّمت بعويل رياح، وعندما كانت تغفو أمي تلك الليلة قليلاً، كانت ترى أن جسدها يتحول إلى شُبّاك خشبي، وأن الليل صار هتافاً مطلاً على شفير الوادي، وأنه تطيح من أحشائها أغنية..
أجل.. وأمي على شكل شباك كانت ترى أنها قُمع، وأنها تسيل من نفسها أغنيةٌ، ويطيح من بطنها حزام رجلٍ شديد الغرابة، ويتطاير من بين ألواحها ورقٌ ملوّنٌ وكثير!

2
لواحدةٍ تطلع من بين القصب
على كتفيها طحينٌ من السكّر،
تعالي..
أخبرْكِ عن الأشياء؛
يوماً.. كانت يد الليل عارية،
وعيناك كانتا قفازيين
وقلبي الذي يشبه رأس حربة..
كان يستحي مما يجول في بال الظلام!
لواحدة..
لا ترمي نعاسك في خيام البدو،
لن تجدي مكاناً للأحلام في الرمل،
لكن..
لكن هاتي هذا النمش على زنديك
وقومي معي..
لقد قشّرت صدري من جانبيه،
سترينه عندما يتخثّر السواد كيف يستحيل إلى قطنة،
وأغانيه كيف تصبح مدخنة!
تعالي..
سأحكي عن الدخان الذي يخرج ناحية الجبل
عن مطر الأربعاء
وثيابنا المرقطة بالوحل،
يومها..
يومها آآآآه.. البنات ركضن بلا خجل
والحلوات اشتهين لو كنّ عرايا،
ورجال القرية الشاحبة جلسوا على الصخرة
عالقين برائحة الوادي،
كانوا ساكتين ويشبهون الخناجر!

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق